ﻳﺒﺪﻭ ﻛﺘﺎﺏ ( ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ) ﻟﻠﺪﻛﺘﻮﺭ ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻴﺮﻱ ﺍﻟﻌﻤﺮﻱ ( 1 ) ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ؛ ﻭﻣﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺗﻀﻴﻴﻖ ﻟﻤﺠﺎﻝ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ . ﺗﺤﻜﻢ ﺃﺧﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻤﻨﻬﺞ ﺣﻴﺎﺓ ﻟﻴﻘﺒﻊ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻼﻭﺓ ﻭﺍﻟﺘﺮﺗﻴﻞ ﻭﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻷﺟﺮ .
ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻘﻴﻢ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﻭﺳﻨﻦ ﻣﻬﺮﻫﺎ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺑﺎﻷﺑﺪﻳﺔ ﺃﻥ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﺧﺘﻼﻻﺕ؛ ﺃﻭ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻐﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻭﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻴﺄﺱ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﻃﺒﻘﺔ ﻋﺎﺯﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﺄﻏﻼﻝ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ؛ ﻭﺗﺒﺚ ﻓﻲ ﺭﻭﻉ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻤﺪﻩ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﻭﻭﻗﺎﺋﻊ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻤﺎ ﻣﻀﻰ .
ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﺘﻪ ﺍﻷﻣﻢ ﻣﻦ ﺗﻄﻮﺭ ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻭﺭﻗﻲ ﻳُﻔﻘﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙ ﺃﻭ ﻣﺪﻧﺎ ﺑﺄﺟﻮﺑﺔ ﻻﻧﺸﻐﺎﻻﺕ ﺁﻧﻴﺔ . ﺑﻞ ﺇﻥ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﺰﺝ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺃﺗﻮﻥ ﺍﻟﺘﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻗﺪ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺑﺪﻝ ﺃﻥ ﻳﻌﺰﺯﻫﺎ !
ﻳﺪﻋﻮﻙ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻟﻠﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻬﻢ ﺳﺎﺑﻖ؛ ﺃﻭ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﺃﺣﺎﺩﻱ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﻻﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﻘﻠﻴﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺁﻳﺎﺕ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ . ﻓﺂﻟﻴﺔ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻧﺒﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻨﻬﺎﺽ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺇﻋﻼﻥ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﻭﺳﻂ ﺭﻛﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ ﻭﺍﻟﺒﺎﻟﻴﺔ . ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺃﺣﻮﺝ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺗﺠﻠﻮ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺻﺪﺃ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻱ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻤﺒﺘﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺘﺤﻮﻝ : " ﻛﺎﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ؛ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺼﺎﺏ ﺑﺴﻜﺘﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻭﺍﻻﻧﻘﻴﺎﺩ . ﻛﺎﻥ ﻋﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻫﻮ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ . ﻟﻜﻦ ﺁﻟﻴﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺇﻥ ﺇﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻛﺎﻥ ﺷﺮﻃﺎ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎ ﻟﺘﺤﺴﺲ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ , ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻣﻮﺟﻬﺎ ﺩﻭﻣﺎ ﻭﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻟﻘﻮﻡ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ " ( ﺹ 44 ) .
ﺃﻭﻝ ﻧﺸﺎﻁ ﺃﺣﺪﺛﻪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺣﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺑﺪﻝ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ . ﻭﻗﺪﻡ ﻣﺜﺎﻻ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﺅﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻨﻬﺾ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻭﻳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﻬﺶ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻦ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﻠﻤﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ . ﺇﻧﻪ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻹﺑﺮﺍﻫﻴﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻜﺲ ﻧﻀﺞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﺣﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭ ﻓﻚ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ . ﺃﻣﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻤﺮﺩﻩ؛ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺰﺍﺕ ﺛﻼﺙ ﺍﻧﻔﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ :
ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﻴﺰﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺗﻨﺴﺐ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻋﺘﻤﺎﺩ ﺟﺪﻫﻢ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻟﺘﻮﺻﻴﻞ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺤﻨﻴﻔﻴﺔ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻎ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻭﺍﻷﺛﺮ .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻠﻬﺎ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻬﻮﺩﺍ ﺃﻭ ﻧﺼﺎﺭﻯ . ﻭﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺠﻢ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﻫﺆﻻﺀ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺳﻴﻤﻨﺢ ﺻﻠﺔ ﻭﺻﻞ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ ﻻ ﺑﺎﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻢ .
ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺍﻟﻤﻴﺰﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﺽ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻣﺤﺎﻭﺭﺍﺕ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ . ﻭﻫﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ ( ﺹ 56 ) .
ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺷﻨﻪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺍﻋﺘﻤﺪﻩ ﺳﺒﻴﻼ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺳﻴﺮﺗﻄﻢ ﻻﺣﻘﺎ ﺑﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﻭﺍﻟﺼﻴﻎ ﺍﻟﺠﺎﻫﺰﺓ؛ ﻭﺳﺘﺼﺒﺢ ﺇﺷﺮﺍﻗﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺪﻋﺔ ﺗﺘﻮﻋﺪ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺠﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻜﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﺗﻤﺠﻴﺪﻩ !
ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺪﺛﻪ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﻳﻌﻤﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﺼﺮ ﺛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﺗﺒﺎﻋﻬﺎ . ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺳﺲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ﻓﻬﻮ ﻗﺼﺔ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﻬﻒ . ﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﺮﺩ ﺍﻟﺪﻻﻻﺕ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺜﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﺬﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻳﻨﺒﻪ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺇﻟﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﻛﻞ ﺟﺪﻝ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﺃﻭ ﺗﻀﺎﺭﺏ ﺁﺭﺍﺀ ﺑﺸﺄﻥ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻭﺍﻷﺭﻗﺎﻡ، ﻷﻥ ﻣﺎ ﻳﻬﻢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻪ ﺍﻟﺮﻋﻴﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻣﺎ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻭﻥ .
ﻳﻜﻤﻦ ﺳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ . ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ }: ﻭﺁﺗﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺳﺒﺒﺎ { [ ﺍﻟﻜﻬﻒ 84: ] ؛ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﻣﺠﺎﻫﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ . ﻋﻠﻢ ﺗﻄﺒﻴﻘﻲ ﺭﺑﻄﺘﻪ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺑﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻦ ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ . ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﻮﻕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺧﺘﺺ ﺑﻪ ﺫﻭ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺭﺩﻩ ﺇﻟﻰ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺃﻭ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ، ﻷﻥ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺗﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺘﻪ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ، ﺃﻱ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ ﻭﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻬﺎ . ﻏﻮﺹ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺀ ﺣﻀﺎﺭﺓ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﺃﺣﺪﺙ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻭﺗﺤﻮﻻﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻫﺰﺕ ﻣﻜﺮﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ( ﺹ 121 ) .
ﺃﻣﺎ ﺳﻮﺭﺓ ( ﺹ ) ﻓﻬﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ " ﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ " ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻘﻒ ﺑﺎﻟﺘﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺩ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ،ﺑﻞ ﻳﻌﺪﻫﺎ ﻣﺪﺧﻼ ﺣﻴﻮﻳﺎ ﻟﻠﺒﺮﻫﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ . ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻣﺘﺪﺍﺧﻼ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﺴﺒﺒﺎﺕ ﻳﺆﻛﺪ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺨﻄﺔ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻛﻠﻪ !
ﺍﺗﺨﺬ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﻘﺼﺼﻲ ﻣﺠﺪﺩﺍ ﺇﻃﺎﺭﺍ ﻫﻴﺄ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻠﺔ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺬﻫﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﺖ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ ﺃﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺔ ( ﻛﺘﺎﺏ ) ، ﻭﺃﺳﺲ ﻟﻠﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﺮﺑﺘﻪ ﻋﻘﻮﻝ ﻭﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﻮﺛﺒﺔ ﻭﺍﻻﻧﻄﻼﻗﺔ . ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻌﻨﺼﺮ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻨﺒﻄﻪ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻧﺒﻮﻳﺔ ﺧﺎﺽ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ، ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ، ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻬﺒﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﺈﺷﺎﺭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ . ﺇﻧﻬﺎ ﻗﺼﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻳﻮﻧﺲ،ﺃﻭ ﻳﻮﻧﺎﻥ ﺑﻦ ﻣﺘﻰ ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻤﻴﻪ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ .
ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺻﺪﺭ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ } ﻓﺎﺻﺒﺮ ﻟﺤﻜﻢ ﺭﺑﻚ ﻭﻻ ﺗﻜﻦ ﻛﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺇﺫ ﻧﺎﺩﻯ ﻭﻫﻮ ﻣﻜﻈﻮﻡ { [ ﺍﻟﻘﻠﻢ 48: ] . ﻭﻗﺼﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺗﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﻤﻠﻚ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺇﺣﺒﺎﻁ ﺃﻭ ﻳﺄﺱ ﺟﺮﺍﺀ ﺳﻌﻴﻬﻢ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺮﺹ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﻳﺮﻩ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻳﻮﻧﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻫﻮ ﻟﺤﻈﺔ ﻫﺠﺮﻩ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻪ ﻭﺗﺮﻛﻪ،ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻫﺠﺮ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ . ﻟﻜﻦ ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻳﻮﻧﺲ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﺳﺘﺤﺎﺻﺮﻩ ﻣﺮﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭﺛﺎﻟﺜﺔ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺣﻴﻦ ﺍﻟﺘﻘﻤﻪ، ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮ؟
ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺳﻴﺸﺮﻕ ﺍﻷﻣﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﻴﺄﺱ . ﺳﻴﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻴﻮﻧﺲ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺘﺤﻤﻠﻪ ﺍﻟﺠﻼﺩ ﻭﺣﺪﻩ ﺑﻞ ﺗﻘﺎﺳﻤﻪ ﺇﻳﺎﻩ ﺍﻟﻀﺤﻴﺔ ! ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻇﺎﻟﻤﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ، ﺑﻞ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻫﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮ، ﺩﻭﻥ ﺗﻤﺮﺩ، ﺩﻭﻥ ﺛﻮﺭﺓ . ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﺄﺱ، ﺍﻹﺣﺒﺎﻁ ، ﺍﻟﻬﺮﻭﺏ . ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻞ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺗﻌﻄﻞ ﺍﻷﻋﺼﺎﺏ . ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻫﻮ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻛﻬﺬﻩ : ﻣﺎﺫﺍ ﺑﻮﺳﻊ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ؟ ( ﺹ 168 )
ﺗﻔﺮﺽ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺭﺍﻫﻨﻨﺎ ﺍﻟﻤﺜﻘﻞ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻌﻴﺶ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﺍﻗﻌﺎ ﻇﺎﻟﻤﺎ ﻳﺴﺤﻘﻨﺎ ﻭﻳﻬﻤﺸﻨﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻒ ﻭﻟﻮ ﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻔﺰﺍﺯﻧﺎ ﺑﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ . ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺗﻨﻴﻦ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻠﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻳﻜﺮﺭ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻋﺔ : ﻣﺎﺫﺍ ﺑﻮﺳﻊ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ؟ ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻭﺿﻊ ﻛﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻧﻘﺮﺭ : ﺇﻣﺎ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﻳُﺒﻌﺜﻮﻥ، ﻭﺇﻣﺎ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻪ ﺑﺈﻳﻤﺎﻥ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻧﻔﻮﺱ ﻣﺘﺤﺮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ .
ﺇﻥ ﺍﻵﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﺭﺗﻜﺰﺕ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ،ﺇﻣﺎ ﺑﺘﺼﺤﻴﺤﻬﺎ ﺃﻭ ﻧﻘﻀﻬﺎ ﻭﺇﺣﻼﻝ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺤﻠﻬﺎ . ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﺸﻌﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﻲ ﺗﺨﻮﺽ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﺒﻜﺮﺓ ﺿﺪ ﺍﻟﺮﻋﻴﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ , ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺃﺻﻨﺎﻡ ﻭﺃﻭﺛﺎﻥ ﻭﺗﻮﺣﻴﺪ ﺑﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﻗﻴﻢ ﺗﺰﻋﺰﻉ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﻭﺗﻬﺪﺩ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﻋﻮﻳﺔ . ﻓﺎﻟﻔﻼﺣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺘﻘﺮﺓ ﻭ ﻳُﻨﻈﺮ ﻟﻤﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ﺑﺎﺯﺩﺭﺍﺀ، ﺃﻛﺴﺒﻬﺎ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻻﺋﻘﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻋﻨﻮﺍﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻭﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ } ﻗﺪ ﺃﻓﻠﺢ ﻣﻦ ﺗﺰﻛﻰ { [ ﺍﻷﻋﻠﻰ 14: ] ؛ } ﻓﺎﺫﻛﺮﻭﺍ ﺁﻻﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮﻥ { [ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ 69: ] .
ﻭﺗﻌﺪﺩ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ ( ﺍﻟﻮﺻﻴﻠﺔ،ﺍﻟﺴﺎﺋﺒﺔ،ﺍﻟﺒﺤﻴﺮﺓ،ﺍﻟﺤﺎﻡ ) ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺗﺼﺎﻋﺪ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ، ﻓﻌﻤﺪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻐﺎﺋﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻃﺎﺡ ﺑﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻜﻬﺎﻧﺔ ﺑﺈﻋﻼﻧﻪ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﻴﻦ !
ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻴﺪﻭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻮﺑﻞ ﺑﺎﻻﺣﺘﻘﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺭﺙ ﺳﻴﺮﻓﻌﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ،ﺣﻴﻦ ﻳﻨﺸﺄ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻭﺍﻟﺘﻤﺎﺯﺝ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﻳﺴﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﺔ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺬﻝ ﺍﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻜﻲ ﻭﺳﻌﻪ ﻟﺘﺒﺪﻳﺪﻫﺎ ﻭﻓﺮﺽ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ . ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺗﻲ ﻳﻮﻧﺲ ﻭﻫﻮﺩ ﻗﺪﻣﺘﺎ ﺻﻮﺭﺍ ﻣﻔﺠﻌﺔ ﻟﻤﺎ ﻟﺤﻖ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﺏ ﺇﻟﻬﻲ ﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﺼﺪﻭﺩ ﻭﺗﺤﺪﻱ ﺍﻟﺮﺳﺎﻻﺕ . ﺃﻣﺎ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﺘﻘﺪﻡ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻟﻠﻨﺠﺎﺡ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻷﺭﺽ؛ ﻭﺗﺜﻴﺮ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﻮﻃﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺢ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ، ﻭﺃﻥ ﺣﻈﻮﻅ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻭﻓﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺃﺧﺮﻯ . ﻭﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺤﻔﺰﺍ ﻭﺧﻼﻗﺎ، ﻓﻤﻔﺮﺩﺓ ( ﺍﻟﺼﺒﺮ ) ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻭﺭ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﺩﻻﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺤﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻳﻀﻌﻨﺎ ﺍﺷﺘﻘﺎﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺒﺘﺔ ﺍﻟﺼﺒﺎﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ . ﺇﺫ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺗﻜﻴﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺒﺘﺔ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺷﺘﻘﺎﻕ ﻣﻌﺎﻥ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﺼﺒﺮ، ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻹﺻﺮﺍﺭ ﻭ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻭﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ . ﺇﻧﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﺒﺘﺔ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ ﺍﻷﻣﻞ ﻻ ﺍﻟﺘﺤﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ !
ﻭﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﻨﺪﺭﺝ ﻣﻔﺮﺩﺓ ( ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ) ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻔﺰﺕ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻟﺐ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮﺓ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻐﻲ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ . ﻓﺎﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺷﻜﻞ ﺻﺪﻣﺔ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﻘﺖ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﺸﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﻫﻴﺄ ﻟﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﺍﻻﻧﺴﻼﺥ ﻣﻦ ﺃﻃﺮ ﺗﻬﻤﺸﻪ ﻭﺗﻘﺮﺭ ﺑﺪﻻ ﻋﻨﻪ : } ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺗﺬﻛﺮﺓ ﻓﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﺍﺗﺨﺬ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺳﺒﻴﻼ { [ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ : 29 ] ، } ﻭﻗﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻜﻢ ﻓﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ ﻭﻣﻦ ﺷﺎﺀ ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ { [ ﺍﻟﻜﻬﻒ 29: ] .
ﻳﺸﻜﻞ ﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪﻱ ﻋﻨﺼﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺧﻠﺖ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻭﺍﻟﻤﻐﺰﻯ، ﺑﻞ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺤﻴﺮﺍ ﺧﻠﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﻣﺎ ﻣﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻜﻞ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ ﺃﻭ ﻭﺛﻨﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺷﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻧﻌﻜﺲ ﺳﻠﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ . ﻟﺬﺍ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻟﻴﺬﻛﺮ ﺑﻘﺼﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻟﻜﻦ ﺿﻤﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﺃﺭﺣﺐ ،ﻳﻌﻴﺪ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻟﺬﺍﺗﻪ .
ﻳﻨﻄﻮﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﻻﻟﺘﻴﻦ ﻣﻬﻤﺘﻴﻦ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺃﻱ ﻧﺺ ﺩﻳﻨﻲ ﺳﺎﺑﻖ، ﻭﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ . ﻓﻔﻲ ﺧﺒﺮ ﺳﺠﻮﺩ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻵﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺗﺘﺒﺪﺩ ﻫﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﻴﻄﺖ ﺑﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻭﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻟﻴﺴﺘﺮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ . ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺒﺮ ﺗﻨﺼﻴﺒﻪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻜﺲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺣًﺮﻡ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ . ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﺴﺘﺤﺚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻟﻠﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﺻﻮﺏ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻟﻔﻬﻢ ﻣﻘﺎﺻﺪﻱ ﻭﺗﻜﺎﻣﻠﻲ ﻻ ﻳﺮﻫﻦ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﻤﻼﺑﺴﺎﺕ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﺩﻭﻣﺎ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎﻝ !
ﻟﻦ ﺗﻄﻴﺐ ﺟﺮﻭﺡ ﺍﻻﻧﺘﺰﺍﻉ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ، ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺔ ﺳﺘﻨﻤﻮ ﺑﺮﺍﻋﻢ ﻟﻠﻘﻴﻢ ﺍﻷﺧﺮﻯ .. ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺮﺳﻬﺎ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻷﻭﻝ؛ ﻭﺣﺼﺪﻫﺎ ﻣﻨﺠﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﻧﻤﻮﻫﺎ .
ﻭﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺳﻬﻼ، ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ﺩ . ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻴﺮﻱ ﺍﻟﻌﻤﺮﻱ : ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ .. ﺇﺑﺤﺎﺭ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻟﻠﻨﻬﻀﺔ . ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮ . ﻁ .3 ﺩﻣﺸﻖ 2010
ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ : ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺑﻘﺪﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﻔﻬﻢ ﺻﺤﻴﺢ ﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻪ ﻭ ﺑﻴﻦ ﻣﻘﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺜﻘﺎﺕ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺗﻜﻴﻴﻒ ﻭ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻣﺴﺘﺠﺪﺍﺗﻪ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﻧﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻭ ﺍﻟﺸﻤﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﻨﻬﺠﺎًﻟﻜﻞ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ .
ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ :
ﻣﻮﻗﻊ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﺳﻼﻡ / ﺣﻤﻴﺪ ﺑﻦ ﺧﻴﺒﺶ .